حنظلة بن أبى عامر
غسيل الملائكة
فى غزوة بدر فى العام الثانى من الهجرة النبوية انهزم المشركون من المسلمين فى رمضان هزيمة لم تكن تدور بخلد أحد منهم ؛ حيث دخلت مكة فى معركة خاطفة لم تكن مستعدة لها ؛ بل لم يكن المسلمون أنفسهم مستعدون لهذه المعركة ؛ فقد ترك النبى r أمر الخروج لمن أراد ان يخرج معه دون أن يأمر أحداً من المسلمين بذلك ؛ فكانت حقاً مفاجئة أذهلت قريش ؛ وأذهلت القبائل العربية فى الجزيرة العربية بأسرها ؛ فقد قتل المسلمون من جيش مكة سبعون قريشياً مشركاً ؛ وأسرواْ سبعون أخرون .
وظلت قريش تعيش وتتقلب على جمر من النار ؛ وأخذت تعد العدة لتأخذ بثأرها من المسلمين الذين ضيعواْ هيبتها وسط القبائل العربية ؛ فجمعت على مدارالعام تقريبا قوتها وعدتها لاستعادة هيبتها التى أمست فى خطر .
لذا فى العام القابل سنة ثلاث من الهجرة أخذت جحافل جيش مكة تتوجه الى المدينة ؛ ولما لا فقد احتجزت قريش العـير التى نجا بها أبو سفيان لتكون القافلة بالكامل دعم للجيش الذى سوف ينتقم من المسلمين ؛ وظلت قريش تكبت جراحها وقتلاها حتى تستطيع الأخد بالثأر .
وجاء الجيش المكى زاحفاً متحفزاً حذراً من تكرار ما حدث فى العام الماضى ؛ جيش عـرمرم مكون من ثلاثة ألاف مقاتل مشرك ؛ من قريش والقبائل التى تحالفها ؛ واقترب من مشارف المدينة .
ولقد أخـــذ جيـش مكة النسـاء معـه لتكـون حافـزاً للرجـال تثبتهـم ؛ وكـان سـلاح الإمداد والتمويـــن ثلاثة الأف بعـير ؛ وسـلاح الفرسـان مئتان فــرس ؛ وسـلاح الدفــاع سبعمائة درع ؛ وكان القائد العام سفيان بن حرب ؛ وقد تعمد جيش مكة التحرك بسرعة فائقة لمفاجئة المسلمين بالمدينة ليربكهم . لكن جهاز المخابرات بالمدينة بقيادة النبى r كان متيقظاً ؛ اذ انه يزرع كثير من العيون على رؤس الطرق بمسافات ليست قريبة من المدينة ؛ مع وجوده بالقرب من المدينة كذلك ؛ فوصل الخبر الى النبى r ؛ فأخذ يتدبر أمره .
وأمر النبى r من ينادى فى المسلمين بالمدينة ؛ التعجل بالخروج لخطورة الموقف تماماً كما تدق نوبات الحرب المفاجئة فى الجيوش الحديثة ؛ فالامر جد خطير هكذا كان النداء يوحى للمستمع من المسلمين .
وخرج عمرو بن أبى عامر وكنيته " حنظلة " ليلبى النداء مسرعا حاملاً سيفه ملبيا نداء الرسول r بأقصى سرعة ؛ فقد خرج متجهزاً للمعركة ؛ ان الخطر محدق وقريب ؛ لذا كان حنظلة أسرع من لبى النداء ؛ وربما أكمل ملابسه وعدل من هيئته على باب بيته .
وجهز النبى r جيش المسلمين ؛ كما تفصل ذلك كتب المغازى وتسطر دقائق المعركة .. كما هو مذكور فى غزوة أحد .
فلما بدأت المعركة ؛ وحمى الوطيس أخذ حنظلة يشق هامة المشركين بسيفه ؛ وبسرعة عاجلة استطاع حنظلة أن يصل الى مقر القائد العام يومئذ لقريش أبو سفيان بن صخر فى براعة اذهلت خطوط العـدو .
واذا بحنظلة يهجم بضراوة على أبى سفيان يريد قتله فى شجاعة نادرة ؛ وفدائية عظيمة ؛ وهو أمر لو حدث لكان بمثابة زلزالاً فى صفوف جيش مكة .
لكن هاجـم عليه الحراس بشدة حتى استطاع شـداد بن الاسود اللحاق به بسرعة كبيـرة لانقــاذ هيبــة جيـش مكــة من هـذا الفدائى الذى لم يكــن فى الحسبــان ؛ فتــم انقــــاذ مقر القيادة العامة لجيش مكة فى اخر لحظات ؛ حيث ضرب شداد ابن الاسود حنظلة ضربة مباغته قوية ؛ فقتله ؛ بينما نجا ابو سفيان فى اخر لحظة .
واخذت احداث المعركة ؛ وانشغل الجيشين ؛ المدينة ومكة بتفاصيل ودقائق ادارة المعركة ؛ حيث انتصر المسلمون فى بداية المعركة .. ثم ترك الحراس من جيش المسلمين مواقعهم التى امرهم النبى r بعدم تركها ؛ حيث قال لهم :
" لا تتركوا مواقعكم ولو رأيتمونا نتخطف من الارض "
لكن هيات .. هيهات .. ان للدنيا بريق .. فقد ترك اغلب الجنود مواقعهم ليجمعواْ الغنائم التى خلفها جيش مكة حينما فـر من ميدان المعركة ؛ وهو ما اغرى خالد بن الوليد على كتيبة من كتائب قريش بالالتفاف والعودة من خلف جيش المسلمين ؛ فكانت جولة لقريش على جيش المسلمين ؛ فكسرت رباعية النبى r نفسه وشج رأسه .
وبعد المعركة أخبر النبى r الصحابة انه يشاهد عجباً ؛ حيث قال لهم مشيراً الى حنظلة : " ان صاحبكم تغسله الملائكة ؛ فاسألوا أهله ما شأنه " .
فذهب من يسأل اهله ؛ فأخبرته زوجته وهى جميلة بنت أبى سلول قائلة :
" ان ليلة عرسه الأولى كانت بى أمس ؛ فلما سمع منادى الرسول r ينادى بالجهاد خرج من فوره ؛ بينما كان جنب ؛ حيث كان يعـرس بى "
فلما أخبرواْ الرسول r بما سمعواْ ؛ قال : " كذلك غسلته الملائكة " .
هكذا كان حنظلة بن أبى عامر غسيل الملائكة كما اخبر النبى r بذلك . .